مدخل الى علم الجمال وفلسفة الفن
تأليف
أميرة حلمي
يُعنى علم الجمال أو الأستطيقا بالنظريات الفلسفية التي تفسّر تطوّر وتبدّل النظرة إلى علم الجمال، فالإنسان يحكم بالجمال على ما يحبه ويعجبه سواء في الحياة أو في الطبيعة، ولكن هذه الأحكام تتحول بفعل الإبداع إلى تعبير ينطوي على إدراك خاص بفعل شعور وانفعال وخيال، "تتحول إلى حدس يُنتج لغةً من الكلمات أو الأصوات أو الصور الجميلة." وبمعنى آخر يبحث علم الجمال أو فلسفة الفن في التعبير الجميل عما يدركه الإنسان، وهذا العلم يتصل بالعديد من العلوم الإنسانية كالنقد الأدبي والفني، وأيضاً بتاريخ الفنون وعلم النفس والاجتماع، كما يتصل بالفلسفة التي قدّمت النظريات والرؤى الأساسية للجمال، فلا تكاد تخلو فلسفة أي من الفلاسفة الكبار في التاريخ البشري من تأمّل في هذا الموضوع المهمّ لحياة البشر.
محاورتا ثياتيتوس وفايدروس أو عن العلم والجمال
تأليف
أفلاطون
ترجمة
أميرة حلمي
تعد محاورة ثياتيتوس من أكثر محاورات أفلاطون حيوية وخصوبة وثراء في الأفكار، وذلك لأهمية الموضوع الذي تناولته، وهو طبيعة العلم. وقد كانت مشكلة المعرفة العلمية مشكلة ملحّة في العصر الذي كتب فيه أفلاطون هذه المحاورة. ومن أهم ما ناقشه أفلاطون في هذه المحاورة «النظرية الحسية» في المعرفة التي توحِّد بين العلم والمعرفة الحسية.
من الواضح أن أفلاطون قد وضع في اعتباره ابتداء من هذه المحاورات كثيرًا من القضايا الفكرية التي لم تكن واضحة في المحاورات السابقة. وأول ما يلاحظ هنا أن المعرفة اليقينية، أو العلم، لم تعد تفسَّر بأنها الركون إلى تأمل الحقائق العليا الخالدة الأزلية، بقدر ما أصبحت محاولة وجهدًا لتعقّل العلاقات القائمة بين هذه الحقائق، ومن هنا تتضح عنايته بمنهج القسمة والجَدَل العقلي على نحو ما ظهر خاصة في محاورتَيْ فايدروس والسفسطائي.
أما محاورة فايدروس فإنها من أهم المحاورات التي أظهرت لأفلاطون نظرية إيجابية في الفن وفلسفة الجمال. وليس هذا بالأمر الغريب على فيلسوف أثار مشكلة الفن في كتاباته منذ أكثر من ألفي عام، وكانت فلسفته ثمرة لفترة من أزهى عصور الفن على مدى التاريخ، وهو العصر الذي بلغت فيه التراجيديا والخطابة والنحت والتصوير مبلغ النضج والكمال.
ففي هذه المحاورة بالذات نجد تفسيرًا جديدًا للنموذج المثالي من الفن الأفلاطوني، وهو الفن المعبّر عن الوحدة المثالية للخير والجمال والحق، ذلك الثالوث الذي يكشف عنه الفنان في هوسه وإلهامه، كما يكشف عنه الفيلسوف في حدسه لعالم المُثُل وفي تجربة العشق القريبة من جذب الشعراء وإلهامهم.
تلك هي فلسفة أفلاطون، التي نستمدها من محاورات كانت نوعًا من الكتابة الأدبية، على حد تعبير أرسطو، أو نوعًا من المحاكاة النثرية التي تشبه تمثيليات. حيث لم يسع أفلاطون أن يكون فنانًا بغير فلسفة ولا فيلسوفًا بغير لمسات الفن، بل ارتبط الجمال الفني عنده بالحقيقة الفلسفية.