سيدارثا مخرجي:  ساعتان من الكتابة، لتقرع علي الباب بعدها باحثةٌ بمحقنٍ مخبري الروائي وعالم الأورام من على أريكته الجلدية الحمراء، بين إعجابه ب "أورويل" وشغفه ب "بيولوجيا الخلية" بحلول موعد جلوسي في غرفتي للكتابة ، أكون قد عايشت عدة دورات شفاءٍ وتدهورٍ لمرضى السرطان الذين أعالجهم ، وأنهيت في الأغلب جولاتي في عنبر الأورام السرطانية، وبينت- ربما- للطبيب المقيم المناوب المجهد ذي العينين الحمراوين، ا التمييز بين الطفح الجلدي الدوائي الناتج عن حساسية المريض لعقار ال "أموكسيسيلين"  ( وهو طفحٌ فاقع اللون، هائجٌ وغير مضرٍ في الغالب) وبين الطفح حميد المظهر الناتج عن رفضٍ مناعيٍّ بعد عملية زرع (لونه داكن ، ضبابي ومميت في كثيرِ من الأحيان). تناولت حتى الآن جرعتين من قهوة "الاسبريسو"، مع أن الساعة لم تتجاوز الثامنة صباحاً. قد أكون كتبت أمراً ببدء العلاج الكيميائي لامرأةٍ شابةٍ مصابة ٍبسرطان الثدي. وبما أن جليسة أطفالها اعتذرت في اللحظة الأخيرة، فقد طلبت من إحدى الممرضات أن تلهي طفلتها ذات الثلات سنوات بينما تقوم ممرضة أخرى بتعليق المحلول الوريدي في ذراع الأم. وقد أكون أيضاً أسرعت إلى مختبر الباثولوجي لألقي نظرة على خزعات نقي العظم التي أخذتها الأسبوع الماضي، ها هنا رجلٌ تظهر الخزعة المأخوذة من نخاعه استجابةً قويةً للدواء الذي ما زال في مرحلة الاختبار، وهنا مريضٌ آخر حالته تدهورت بشكل واضح . الساعة بالكاد تشير إلى منتصف اليوم ونبضي قد توقف وعاد وتوقف ثانيةً ثم عاد حوالي أربع مرات. لمَ أمارس الكتابة؟ أو بالأحرى، لمَ يمارس بعض الأطباء الكتابة؟ بعضنا يسجل شهادته، وبعضنا الآخر يروي قصصاً. "زادي سميث" قالت في مرة أن السبب الوحيد الذي يدفعها للكتابة أنها "قد لا تمضي حياتها كلها وهي تمشي أثناء نومها". في أكثر أيامي قتامةً أشعر أنني أنا أيضاً  أكتب لأحفز مشيي أثناء النوم. في غرفة مكتبي أريكةٌ جلديةٌ حمراء، قد تجد عليها أكواماً من تقارير المرضى الطبية ، أو من الكتب: أوليفر ساكس، هنري مارش، إيان ماك إيوان (صاحب رواية "Nutshell" الملحمة الهاملتية، التي جعلتني أهذي أثناء قراءتها) بالإضافة إلى كتب أتول جواندي، أنظر مع هذا حولي في الغرفة، منتقياً بعشوائية عناوين كتبٍ أخرى ، سيرةٌ ذاتيةٌ جديدة ل جوناس سالك، مقالات جورج أورويل، رواية بانكاج ميشرا "نهاية المعاناة"  ورواية "نظرية الفوضى" لجيمس جليك. أريكتي قد تحمل أيضاً كومةً من السلاسل الجينية، من مشروع الجينات السرطانية الأخير الذي نعمل عليه في المختبر،الخيوط الجينية A, C, Tو G. وهي لغةً أخرى لها مفرداتها ورموزها الخاصة.   أقفل جميع الأصوات، أطفئ هاتفي وأخفت ضوء المصباح، أي شيء باستثناء الصفحات التي أكتبها بمثابة إلهاءٍ مرعبٍ.     أكتب لساعتين ربما من غير مقاطعة، لتقتحم علي الباب بعدها، باحثةٌ في مرحلة ما بعد الدكتوراه ،تحمل في يدها  "ماصةٌ مخبريةً" ، فقد لاحظت شيئاً "غريباً بعض الشيء" عبارةٌ تحمل أجمل ثلاث كلماتٍ في اللغة. يثير كلامها اهتمامي، فأتبعها عبر الممر لتريني "علبة بتري" على طاولتها، كان من المفترض أن يقتل عقارٌ تحت التجريب الخلايا الموجودة فيها، ولكن الباحثة قامت بتغييرٍ جيني متعمدٍ في الخلايا، مما جعلها مقاومةً بشكلٍ عجيب. أفكر في الرجل الذي تدهور مرضه في العيادة، هل يمكن أن يكون هذا التغيير الجيني قد حدث في نخاعه؟ ثم أعود إلى أريكتي الحمراء، قاعدتي الوحيدة في الكتابة هي ذاتها في العلم، لا يمكنك معرفة الإجابة مالم تعرف السؤال. قبل أن أكتب أي شيءٍ ، أسأل نفسي: ما هو السؤال الذي أحاول أن أجيب عنه؟ وعندما أقرأ روايةً، أو قصيدةً أو أنظر إلى لوحة، أسأل نفسي: ما هو السؤال الذي تحاول اللوحة أو الرواية إجابته؟ هذا يثير جنون زوجتي وأبنائي، إذ يرفض أبنائي أحياناً الذهاب معي إلى المتاحف، ولكن هذه العادة تعمل كمرشدٍ لي في تدريبي على الكتابة؟ فأورويل يحاول أن يجيب على سؤال: هل يمكن بناء عالمٍ أخلاقيٍ بالاعتماد على أشخاصٍ بلا أخلاق؟ ساكس: هل يمكنك أن تشغل عقول أشخاصٍ مختلفين عنك بشكلٍ كامل. بعد زيارة الباحثة لمكتبي، إن كان هذا يوماٌ جيداٌ، فسأحظى بأربع أو خمس ساعاتٍ من الهدوء لأفكر وأكتب، أقفل جميع الأصوات، أطفئ هاتفي وأخفت ضوء المصباح، أي شيء باستثناء الصفحات التي أكتبها هو بمثابة إلهاءٍ مرعبٍ. سأصنع لنفسي فنجاناً آخر من القهوة، وسأقوم بطباعة مقالةٍ أو بحثٍ علميٍّ بطريقتي البطيئة المزعجة في الطباعة الأشبه بنقر الحمام (لم آخذ دروس طباعةٍ في الجامعة). بعد ساعتين من الآن، سأتحول إلى القراءة. أقرأ الكتب بطريقةٍ منهجية، مقالاتٌ علمية وأبحاثٌ طبية، ثم قد أقرأ ما قمت بكتابته للتو، متخلصاً بابتهاج من معظم ما قمت بإنتاجه خلال اليوم. الساعة الأخيرة من العمل مخصصةٌ للمرضى ولمختبري. أرد على المكالمات الهاتفية، وأراجع عمل الممرضات في الجناح، ثم اعود إلى طاولة المختبر، حبي الخاص والسري هو زراعة الخلايا، أحب أن انظر إلى الخلايا تحت الميكروسكوب بمتعة بستانيٍ مهووس يراقب شجيراته. بيولوجي الخلايا الجيد يمتلك غريزةً حيوانيةً تجاه صحة الخلايا الموجودة في مزرعة الخلايا خاصته ، أحاول أن أعلم طلابي أن ينمّوا تلك الغريزة، قد أجمع بعض الخريجين حول المجهر قائلاً "انظروا إلى حدود تلك الخلية"وأسألهم إن كانوا يشعرون أن حدود الخلية مشعثة زيادة عن اللازم. وأسأل الخلية: كيف تشعرين اليوم في هذه المزرعة؟"  أسأل نفسي ذات السؤال في نهاية اليوم أحياناً.  

الخلاصة:

عدد الساعات: (8-9) (تضمنت قراءة المقالات العلمية، المقالات النقدية، والتقارير الطبية) عدد الكلمات: 2000 (كما هو مبينٌ أعلاه) الوقت الذي أمضيته في تصفح الانترنت و تويتر: ساعة واحدة شاي/ قهوة / جين:  فنجاني "اسبريسو" ، فنجان شاي، كأس من النبيذ في موعد العشاء إن كنت لا أزال في المكتب (لا أشرب "الجن" شكراً لك)   https://www.theguardian.com/books/2018/jan/13/siddhartha-mukherjee-my-writing-day